قال لن أزور اليابان ثانية. لماذا يا ترى؟
المقدمة
في مقالة لطيفة للكاتب محمد سلماوي تحت عنوان « لن أزور اليابان » كتب أنه كان في زيارة لليابان لإلقاء محاضرة .
وأثناء سفره عبر أسرع قطار في العالم المسمى ب ” قطار الطلقة ” Bullet train الذي تشبه سرعته سرعة طلقة الرصاص، ما بين طوكيو والعاصمة القديمة كيوتو.
لن أزور اليابان ثانية
السفر عبر قطار الطلقة في اليابان
يقول: في كل مرة أزور اليابان أعاهد نفسي علي ألا أعود ثانية إلي تلك البلاد، فهي لابد أن تصيب كل مصري بالأسي، لما بها من تقدم ونظافة ونظام وأدب جم، وهي كلها بالطبع أشياء لا لزوم لها كما نعرف في مصر، بل هي مضيعة للوقت، فنحن مشغولون هنا بالتخلف والقذارة والهرجلة وقلة الأدب، ولا وقت لدينا لتلك التوافه اليابانية التي عفي عليها الزمن والتي أقلعنا عنها منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان.
لن أزور اليابان ثانية
ولقد كان علي أن أستقل أسرع قطار في العالم وهو « قطار الطلقة » ، الذي تشبه سرعته سرعة طلقة الرصاص، ما بين طوكيو والعاصمة القديمة كيوتو، حيث كنت سألقي محاضرة عن الأدب المصري الحديث في جامعتها.
وما إن وقفت علي رصيف القطار حتي تذكرت نفس هذا الموقف في صيف عام 1999، حين كنت في زيارة مماثلة لبلاد الشمس المشرقة، كما يسمونها، وكنت أستعد لركوب نفس القطار.
الانضباط المثالي
كانت تذكرتي تشير إلي أن مقعدي سيكون في العربة الخضراء، فهم يطلقون الألوان على درجات القطار، فلا يقولون عربة الدرجة الأولي أو الثانية أو الثالثة وإنما العربة الخضراء والحمراء والصفراء، وأشار إليَّ مرافقي الياباني أن أقف في المكان المخصص علي الرصيف لباب العربة الخضراء، وفي الموعد المحدد بالضبط وصل القطار وجاء باب العربة الخضراء في المكان المحدد له مع فارق بضعة سنتيمترات من حيث أقف.
الاحتجاج العربي والاعتذار الياباني
وأردت أن أعبر عن حنقي كمصري من هذا الانضباط الذي كان يملؤني حزناً على حالنا، فقلت مداعبا مرافقي، بعد أن تأكدت أنه لم يزر مصر: ما هذا؟ إن باب العربة الخضراء جاء علي يميني بعدة سنتيمترات وليس أمامي تماماً، كيف يسمح بتلك الفوضي؟!
لكن الشاب الياباني لم يفهم دعابتي الثقيلة، وكست وجهه حمرة الخجل، وأخذ يتأسف لما حدث، مؤكداً أن هذا لا يحدث إلا نادراً، ووعدني بأنه سيخبر المسؤولين حتي لا يتكرر ذلك ثانية، فقلت له: أرجو ذلك، فمثل هذا الحدث قد يسيء إلي بلادكم ! أبلغ إساءتي .
وضحكت في وجه مرافقي الياباني حتي أخفف من حدة الموقف الذي انقلب جداً بسرعة لم أتوقعها، وضحك هو معي تأدباً، لكنه ظل طوال الرحلة التي استغرقت أقل من 3 ساعات يذهب ويجيء في القطار ويتحدث مع بعض العاملين، الذين كانوا يأتون معه واحداً تلو الآخر، إلي حيث أجلس، ليعتذروا إلي عما حدث، وحين وصلنا إلي كيوتو وجدت مدير المحطة ينتظرني بنفسه علي الرصيف، ليقدم لي هو الآخر اعتذاره عما حدث في محطة طوكيو، ومؤكداً أن ذلك لن يحدث ثانية.
وخشيت أن تستمر تلك الاعتذارات طوال فترة تواجدي باليابان فتفسد علي رحلتي، فصارحت مرافقي بأنني لم أكن أقصد إلا المزاح وأكدت له أنني لا أمانع علي الإطلاق إن وقفت العربة الخضراء أمامي تماماً، أو علي يميني ببضعة سنتيمترات، ورجوته ألا يسمعني في الفترة المتبقية لي في اليابان أي اعتذارات في هذا الموضوع، منه أو من غيره.
وفغر مرافقي الياباني فاه في دهشة وهو يقول: لماذا؟ قلت: لأن تلك مسألة عادية جداً بمقاييسنا، وهي يمكن أن تحدث في أي مكان! قال: ولكنها لا تحدث في اليابان، فقلت له: إن اليابان ليست وحدها في هذا العالم، وهناك دول أخري لن أسميها لك، لا تحدد أماكن وقوف العربات علي الإطلاق، وما إن يصل القطار حتي يتدافع جميع الركاب إلي جميع الأبواب بأمتعتهم، فيسدوا الطريق علي بقية الركاب في فوضي عارمة ربما تحسدنا عليها الولايات المتحدة، فلم يبد علي مرافقي أنه فهم شيئاً، فقلت: إنها حرية شخصية، وكل دولة لديها الحق في تطبيق النظام الذي يعجبها!
الملل من الاعتذار الياباني
وفي رحلتي الأخيرة تذكرت ذلك الموقف وأنا أقف أمام المكان المخصص للعربة الخضراء علي رصيف محطة كيوتو، وقلت إنني لن أعلق علي الإطلاق هذه المرة حتى لو أن العربة وقفت أمامي تماماً أو علي بعد سنتيمترات مني، حتي لا أفسد إقامتي هذه المرة بسلسلة الاعتذارات التي توالت علي في الزيارة السابقة.
لكن ما إن وصل القطار في موعده، بالثانية طبعاً، حتي وجدت أمامي مباشرة باب العربة الخضراء، مما أفسد علي زيارتي أيضاً لأني ظللت أتحسر علي حال بعض الدول الأخري العزيزة علي، إلي أن أصبت بحالة إحباط مرضي، جعلتني أقسم أنني لن أزور اليابان ثانية!
لعلي هنا أتوقف وأتساءل بعد هذا الموقف اللطيف هل الاعتذار بسبب ابتعاد البوابة بضعة سنتيمترات أمر مشروع أم مبالغ فيه ؟.
قد يكون في عالمنا العربي هذا الأمر ضرباً من الخيال ولكن ما هي الحدود المنطقية لكي يعتذر المسؤول، وقبل الاعتذار أترانا نستطيع معاتبة أحد المسؤولين وقبل ذلك كله هل هو يخطي أصلاً؟
لماذا المسؤول هناك يعتذر، إن اخطأ ولماذا يستقيل إن اخفق وماذا يا ترى يصنع الياباني لو كان الأمر أكبر من ذلك؟
الأساذ.محمد سلماوي
موقف عن ثقافة الاعتذار في اليابان.
لن أزور اليابان ثانية
روابط قد تهمك: