قصة من طرائف الأصمعي

من غرائب الأصمعـي مع أعرابي في قول الشّعر وتقسيم الطعام

قصة من طرائف الأصمعي

قصـة من طرائف الأصمعي: الأصمعي والأعرابي

يَحْكِـي الأصمعي أنه ذهب ذات يوم في مجموعة إلى البادية للتنزه والترويح عن النفس، وعندما حان وقت الغذاء ، بُسِطَتِ السّفرة ووضع فوقها الطعام،  وكان الطعام ممتلئاً بالسّمن. وبينما نحن كذلك إذ فاجأنا أعرابي يقطع غمار الأرض قطعاً ووراءه غبار يغطي رؤية ما خلفه، حتى وصل، فجلس على المائدة من غير دعوة ، ثم مدّ يده في السمن وكان يرفعها فيسيل السّمن من بين أصابعه فيختلط بالغبار الذي علي يديه فيصنع خطوطاً تبعث على الاشمئزاز.

قال الأصمعي: فأردت أن أُضْحِكَ القوم عليه فقلت له:

يا أعرابي ، كأنك أثلة في أرض هشٍّ .. أصابها وابل من بعد رشٍّ .

فالتفت إليه الأعرابي وعينه محمرة وفمه يسيل سمناً، وقال له :

كأنك بَعْرَةٌ في إسْتِ كَبْشٍ … مُدَلَّاةٌ وذاك الكبشُ يَمْشي .

قال الأصمعي: فضحك عليّ القوم جميعهم ، فشعر الأصمعي بالحرج فنظرت إليه وقلت له:

يا أعرابي كأنك تجيد الشعر فقال له كيف لا أجيده وأنا أبوه وأمه فقلت له عندي قافية تريد عطاءً فَغُصْتُ في بحار العربية، فما وجدت أصعب من قافية تنتهي بحرف الواو الساكنة فقلت له يا أعرابي :

قومٌ بِنجدٍ عَهِدْناهُم … سَقاهُمُ اللهُ مِن النَّوْ .

أتدري ما النَّو يا أعرابي ؟ فالتفت الأعرابي إليه وقال :

نَـوٌّ تلالا في دجي ليلة .. حالكة مظلمة لو .

فقلت له لو ماذا؟ فقال :

لو صار فيها راكب لانثني … على بساط الأرض مُنْطَوْ .

− فقلت له منطو ماذا؟ فقال :

منطَوي الْكِشْحِ قليلُ الحَشا … كالْبَـاز يَنْقَضُّ من الجَوْ

قلت له جو ماذا ؟ كان يزيد ويكثر  عليه الأسئلة حتى يورطه ولا يستطيع الاستمرار . فقال :

جَـوُّ السَّما والرِّيحُ تَعْلو بِهِ … اشْتَمَّ ريح الأرض فاعْلَوْ

− فقلت له اعلو ماذا ؟ فقال :

اعلوا لمّا عِيلَ مِنْ صَبْرِهِ … يَـا صَاحْ تَفهم أَوْ

– فقلت له أو ماذا فقال :

أو أضرب الرأس بِصَوَّانَةٍ … تقول في ضَرْبَتِها قَوْ

فقال الأصمعي فخشيت أن أكمل وأقول له قو ماذا ؟ فيضربها في رأسي ويكمل القصيدة ! .. وفي رواية أخرى قال أنه سأله قو ماذا؟ فرد عليه وقال:

القَوُّ في الرأسِ لَهُ نَفْخَةٌ يَبِينُ مِنْ آثـارها الضَّوْ

فَسَكَتُّ خَشْيَةَ أن يضربني!  فوجد الأصمعي في هذا الأعرابي مَخْزَنَ لغة، فدعاه إلى بيته فلما وصل للبيت وجد زوجته قد ذبحت دجاجةَ، ومن عادةِ كَرَمِ الأعرابِ أنْ يُقَدَّمَ للضّيف لِيُقَسِّم ، فقال له: 

يا أعرابي قسِّم!

وكان للأصمعي ولدان وبنتان وزوجته وهو السادس،  فقال الأعرابي :

الرأس للرَّأس، وأعطاه رأس الدجاجة والرقبة للعتبة وأعطى الرقبة لزوجته، قال والفخذين للولدين والجناحين للبنتين و الباقي للضَّيف فأحس الأصمعي بالغُبْن .

و في اليوم الثاني قال الأصمعي لزوجته: إذبحي خمس دجاجات! فقال للأعرابي: قَسِّم! فقال الأعرابي: تُـريد شفعاً أم وتراً؟ فقال الله وِتر يحب الوتر فقال: 

أنت وزوجك ودجاجة ثلاثة، فأعطاهم واحـدة ، وابنتيك ودجاجة ثلاثة،  وأعطاهم دجاجة، وولديك ودجاجة ثلاثة ، فقال له الأصمعي: أريد شفعاً فقال: أُقِيلُكَ ولا أقبل بعدها الإقالة،  فقال له الأصمعيُّ قبلت. فقال أنت وابنيك ودجاجة أربع ، وزوجتك وابنتيها ودجاجة أربع، وأنا وثلاث دجاجات 😆  والله لا أقبل إلا هذه القسمة. وأخذ ثلاث دجاجات ثم قام وانصرف تاركاً الأصمعي يمتعض من الهزيمة أمام هذا الأعرابي..

أرى أن هذه المواضيع قد تهمك:

♦ قصة الدَّاهِية كَلْثُوم مع الحَجَّاجْ الجار السارق ∴ قصة الصحابية خولة بنت ثعلبة قصة والي حمص مع عمر بن الخطاب ∴ قصة خالد القسري و الشاب السارق ♦ قصة خُزيمة بن بشر قصص من التراث