قصة الرجل الصالح حاتم الأصم

حاتم الأصم لقمان هذه الأمة

من لا يعرف حاتم الأصم ، ذاك الرجل التقي الورع والامام الزاهد والواعظ الناصح الناطق بالحكمة حتى قيل عنه أنه لقمان هذه الأمة وهو من أعلام أهل السنة والجماعة .. يُحكي أن حاتم الأصم . كان يوماً في مجلس مع أصحابه ، فذكر فضل أداء فريضة الحج، ،فامتلكه الشوق والرغبة لزيارة بيت الله الحرام وأداء مناسك الحج، لكنه كان فقيراً ليس له ما يتزود به في سفره ولا ما يترك لأهله . ورغم ذلك كان شوقه للحج أقوى . فلما عاد إلى بيته جلس مع زوجته وأولاده وذكر لهم رغبته في الحج هذا العام . وحاول جهده إقناعهم بذلك. لكن زوجته وأولاده كان لهم رأي آخر، فقد أبدوا التحفظ والتخوف ، خصوصاً أنهم فقراء وليس لديهم من يعولهم .

رغبة حاتم في الحج واعتراض أسرته الفقيرة

قصة الرجل الصالح حاتم الأصم

فقالوا له : نحن كما ترى لا نملك شيئاً، فكيف تريد أن تتركنا وتذهب إلى الحج؟! إلى منْ ستتركنا؟! ومن أين لنا بالطعام؟!
فقالت ابنته الصغيرة بكل يقين: أليس الرزاق هو الله ؟ فهل سيمنع الله الرزق عنا إذا سافر ابي للحج ؟ أتركوا الخلق للخالق فإن الله لن يضيعنا !
فقالوا: صدقت والله البنت.
فوافقت الزوجة والأولاد على سفر حاتم الأصم إلى الحج، وفعلاً سافر وترك لأهل بيته ما يكفيهم لثلاث أيام فقط، كان حاتم الأصم يسير خلف القافلة المتوجهة إلى بيت الله الحرام لأنه ليس معه من المال ما يجعله يختلط بحجاج القافلة ويشاركهم الطعام والشراب.

رعاية الله تلف حاتم الأصم أثناء رحلته لحج بيت الله

لكن الله سبحانه وتعالى لا تخفاه خافية .. فهو جل شأنه مطلع على قلوب عباده الصادقين.
فأثناء هذه الرحلة أُصيب قائد القافلة بلذغة عقرب وكاد أن يهلك، فبحثوا له عن شخص يعالجه، ثم أخبروه أن حاتم الاصم يسير خلف القافلة ، واستأذنوه بان يدعوه إلى رقيته ، فوافق على الفور .. فذهبوا إلى حاتم الاصم وطلبوا منه أن يرقي القائد عل الله يشفيه ، فجاءه الرجل الصالح ،وأرقاه ، فشوفي بإذن الله.
فأصدر القائد أمره بأن مصاريف هذا الرجل ذهابا وإيابا ستكون على حسابه ومن ماله الخاص.
فحمد حاتم الأصم ربه ثم قال: يا رب كما دبرت لي أمري فدبر أمور أهل بيتي وارزقهم من حيث لا يحتسبون.

أسرة حاتم الطائي تواجه الجوع والهلاك

هذا ما كان من أمر حاتم الاصم . أما ما كان من أمر زوجته وعياله، فإنهم بعد مرور ثلاثة أيام نفذ ما عندهم من أكل. وعليهم أن يواجهوا الجوع من الغد، فبدأوا يلومون البنت الصالحة التي أصرت على سفر أبيهم وتركهم يواجهون الجوع والهلاك .وفى اليوم الرابع بدأوا يتضوروا جوعا ومن شده الجوع كانوا يبكون، وينطقون باللوم والعتاب للبنت الصغرى التي كانت تبتسم متيقنة بمعية الله ولطفه.
فقالوا لها: لما تبتسمي الآن؟ فأنت السبب في كل هذا وأنت منْ أقنعنا بسفر أبينا
فقالت : إنني أتعجب من ضعف إيمانكم بالله؟! لقد سافر آكل الرزق وبقى معنا الرازق؟!

قصة الرجل الصالح حاتم الأصم

رعاية الله ولطفه تلف أسرة حاتم الأصم

فـبينما هم على هذا الحال، إذ سمعواطرقاً على الباب فقامت البنت الصغيرة وفتحت الباب فإذا بشخص يطلب ماءً لأمير المؤمنين، الذي كان يمر بالقرب من بيتهم في رحله صيد مع جنوده وأصحابه وقد نفذ ما عندهم من ماء.
فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت: الهي وسيدي سبحانك، البارحة بتنا جياعا، واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا !
ثم أخذت وعاء نظيفاً يليق بأمير المؤمين وملأته ماء وقدمته للرجل،فشرب منه الأمير واستطاب شرابهم العذب .
فقال الأمير : من صاحب البيت؟!
قالوا: هذا بيت حاتم الأصم.
فقال الأمير: أتقصدون الرجل الصالح؟
قالوا نعم !
قال: الحمد لله الذي أسقانا من بيوت الصالحين. ثم قال: نادوه حتى نجازيه .
فقال الوزير: يا سيدي لقد سمعت أنه سافر للحج ولم يخلف لأولاده شيئا، وأُخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا.
فعندما سمع أمير المؤمنين هذا الكلام حلّ منطقته من وسطه(وهى الحزام الذي يُربط على الوسط وكان مرصعاً بالألماس والأحجار الكريمة
فقال لأصحابه: منْ أحب أن يقتاد بي فليحل منطقته؟!
فحل جميع أصحابه مناطقهم وأعطوها إلى بيت حاتم الأصم.

أسرة حاتم الأصم من الجوع والفقر إلى الغنى والبسط

وفى اليوم التالي ذهب إليهم احد االتجار واشترى تلك الأحزمة من أهل حاتم الأصم بأموال كثيرة ، وأعادها لأصحابها تزلفاً وتقرباً لهم. . فأصبح بيت حاتم من أغنى بيوت تلك المنطقة .
فلما رأت الزوجة والأولاد هذا الخير الوفير ، فرحوا فرحا شديداً،وحمدوا الله على ذلك .لكن أختهم الصغيرة بكت بكاء شديدا.
فقالوا لها: غريب أمرك يا فتاة! ما هذا البكاء ، كان عليك أن تفرحي، فإن الله بسط علينا في الرزق بعدما كنا على وشك الهلاك ..
فقالت البنت التقية الصالحة : ما أبكاني هو أننا بتنا البارحة جياعا فنظر إلينا عبد من عباد الله فأغنانا بعد فقرنا حتى صارت لنا من الاموال ما يجعلنا في رفاهية حتى الممات.. فكيف لو نظر إلينا الرزاق الذي خزائنه لا تنفذ أبدا ؟!