وامعتصماه ! صرخة امرأة من عمورية
تَرْوِي كُتُبُ التاريخ أنَّ رجلاَ نصرانياً اعتدى على امرأَة مسلمة في أحد أسواق عمورية بعد أن أسرها جنود الروم ، فصاحت وهي مُكَبَّلَة بيد الجنود : وااا معتصماه ! وااا معتصماه !
فضحك منها الروم وقالوا لها : إنتظريه حتى يأتي على فرسه الأبلق لنصرتك !
وامعتصماه ! صرخة امرأة من عمورية
وصادف أن أحد الرِّجال من المسلمين حضر الحادثة . فقدم إلى الخليفة المعتصم وقال له : «يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية فرأيت امرأة عربية مسلمة في السوق تدعى شراة العلوية مهيبة جليلة . رأيتها تُساق سبية مهانةً إلى السجن. وسمعتها تصيح في لهفة: وامعتصماه وامعتصماه.»
وكان المعتصم جالساً وفي يده قِدْحٌ يريد أن يشرب ما فيه، فوضعه دون أن يكمل شربته. وقام يصرخ : لبيك ِ يااختاه.. لبيكِ يااختاه !
فأرسل رسالة على الفور إلى أمير عمورية كتب فيها :
«من أمير المؤمنين المعتصم إلى كلب الروم أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش أوله عندك وأخره عندي.»
فلم يستجب الأمير الرومي لهذا التهديد لأنه كان يعلم أن المعتصمَ مشغولٌ بفتنة بابِك الخُـرَّمي الذي قاد الحركة الخُرّمية ضد الخلافة العباسية في أذربيجان .
وامعتصماه ! صرخة امرأة من عمورية
فلما علم المعتصم بعدم استجابة أمير عمورية لرسالته . نهض على وجه السرعة وصاح في القصر ، النفير النفير ، وانطلق بجيشه العرمرم قوامه 90000 مقاتل من خيرة جيش المسلمين لمحاصرة عمورية ، فلما استعصت عليه قال: إجعلو النار في المجانيق وارموا الحصون رمياً متتابعاً . ففعلوا، فلما علم الروم أنهم مهزومون لا محالة ، حاولوا التشويش على المعتصم وجيشه بأن تداعى المنجمون من كل حدب وصوب يؤكدون خطر إقدام المسلمين على مهاجمة عمورية شتاءً حيث الجو بارد مع تساقط الثلوج ، وعليهم أن يتريثوا إلى أواخر الصيف حين ينضج التين والعنب. لكن المعتصم لم يأبه بقولهم وحسبه كلام المحبطين والمنجمين الأفاكين. فزاد من شد الخناق على عمورية، حتى قال ابن كثير بأن عمورية كانت أمنع البلاد على الغُزاة . وما هي إلا أيام معدودات من الحصار ، حتى سقطت المدينة بعد هدم أحد أبراج سورها الحصين.
وامعتصماه ! صرخة امرأة من عمورية
فاستسلم الروم .و دخل جيش المسلمين المدينة ، فلم يقتلوا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً ولا عابداً في دير ولا مستسلماً . فقط بحث المعتصم عن المرأة المسجونة، فلما أحضروها إليه ، قال لها: هل أجابك المعتصم ؟ قالت نعم. والله !»
فقال أحضروا الرجل الذي أهانها واعتدى عليها ، والله لا أغادر مكاني حتى تحضروه إليَّ صاغراً . فلما جاؤوا به ، نظرت إليه المرأة نظرة احتقار وقالت له : هذا هو المعتصم الذي سخرت منه ! ها قد جاء على فرسه الأبلق وأَذَلَّكَ وأخزاك . فقال لها المعتصم : هو لك إفعلي به ما تشائين ! إن شئت إعتقيه وإلا فهو عبد لك. فقالت: بحسبي من الفخر أنك انتصرت عليهم . وأنا أعفو عنه واعتقه لوجه الله فأعجب المعتصم بقولها وقال لها: لأنت جديرة حقاً بأن حاربت الروم ثأراً لك. ولتعلم الروم أننا نعفو حينما نقدر.
وهذا الحدث جعل الشاعر أبو تمام يقول في رائعته التي خلدت الملحمة:
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ ♦∴♦ في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في ♦∴♦ مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً ♦∴♦ بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
تَدبيرُ مُعتَصِمٍ بِاللَهِ مُنتَقِمٍ ♦∴♦ لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللَهِ مُرتَغِبِ
لَم يَغزُ قَوماً وَلَم يَنهَض إِلى بَلَدٍ ♦∴♦ إِلّا تَقَدَّمَهُ جَيشٌ مِنَ الرَعَبِ
لَبَّيتَ صَوتاً زِبَطرِيّاً هَرَقتَ لَهُ ♦∴♦ كَأسَ الكَرى وَرُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ
تِسعونَ أَلفاً كَآسادِ الشَرى نَضِجَت ♦∴♦ جُلودُهُم قَبلَ نُضجِ التينِ وَالعِنَبِ
م/البداية والنهاية إبن كثير
روابط قد تهمك: