قصة قتل الحَجَّاج بن يوسف الثّقفي لِسعيد بن جبير
القصة حدثت عندما كان الحجّاج بن يوسف الثقفي والياً على أقطار إسلامية كثيرة، فقد ولاه عبد الملك بن مروان ليقطع به دابر الخارجين عن حكمه ويقتفي أثارهم في كل مكان. وكان سيفاً مُسَلَّطاً على كل من سوّلت له نفسه الخروج على طاعة إمارة بني أمية . لقد عرف عليه القتل والتعذيب لكل من اشتم فيه رائحة التمرد والعصيان دون مراعاة لحكم الله في أعدائه ، وله في العراق قصصاً كثيرة تُـروى.
وعندما كان خالد بن عبد الملك القسري والياً على مكة المكرمة، علم بوجود سعيد ابن جبير في ولايته فألقى القبض عليه واعتقله، فلَمَّا أراد أن يتخلص منه أرسله مغلولاً مع إسماعيل بن واسط البجلي إلى الحجاج بن يوسف الثقفي.
وكان للحجاج شرفٌ في محاكمته، وهو الذي لا يرحم من خرج عن ولي أمره.
قصة قتل الحَجَّاج بن يوسف الثّقفي لِسعيد بن جبير
فلما جيئ به إلى الحجاج قَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ يا هَذا ؟
قَالَ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ .
قَالَ : أَنْتَ شَقِيُّ بنُ كُسَيْرٍ .
∴ قَالَ : بَلْ أُمِّي كَانَتْ أَعْلَمَ بِاسْمِي مِنْكَ .
قَالَ : شَقِيْتَ أَنْتَ ، وَشَقِيَتْ أُمُّكَ .
قَالَ : الغَيْبُ يَعْلَمُهُ غَيْرُكَ .
∴ قَالَ : لأُبْدِلَنَّكَ بِالدُّنْيَا نَاراً تَلَظَّى .
قَالَ : لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِكَ لاتَّخَذْتُكَ إِلَهاً .
قَالَ : فَمَا قَوْلُكَ فِي مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ؟
∴ قَالَ : نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ، و إِمَامُ الهُدَى .
قَالَ : فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ ، فِي الجَنَّةِ هُوَ أَمْ فِي النَّارِ ؟
قَالَ : لَوْ دَخَلْتُهَا ، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا ، لًعَرَفْتُ .
∴ قَالَ : فَمَا قَوْلُكَ فِي الخُلَفَاءِ ؟
قَالَ: لَسْتُ عَلَيْهِم بِوَكِيْلٍ .
قَالَ : فَأَيُّهُم أَعْجَبُ إِلَيْكَ ؟
∴ قَالَ : أَرْضَاهُم لِخَالِقِي .
قَالَ: فَأَيُّهُم أَرْضَى لِلْخَالِقِ ؟
قَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَهُ .
∴ قَالَ : أَُحِبُّ أَنْ تَصْدُقَنِي .
قَالَ : إِنِّي لَمْ أصْدُقْكَ لنْ أَكْذِبَكَ .
قَالَ : فَمَا بَالُكَ لَمْ تَضْحَكْ ؟
سعيد: وكيف يَضْحَكُ مَخْلوقٌ خُلِقَ مِنْ طينٍ، والطِّينُ تَأْكُلُهُ النّار!!
الحجاج: فَما بالُنا نَضْحَك؟.
قَالَ : لَمْ تَسْتَوِ القُلُوْبُ .
قَالَ الرَّاوي : ثُمَّ أَمَرَ الحَجَّاجُ بِاللُّؤْلُؤِ وَاليَاقُوْتِ وَالزَّبَرْجَدِ، فَجَمَعَهُ بنُ يَدَيْ سَعِيْدٍ ،
فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ جَمَعْتَهُ لِتَفْتَدِيَ بِهِ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ فَصَالِحٌ ، وَإِلاَّ فَفَزْعَةٌ وَاحِدَةٌ تُذْهِلُ كُلَّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ، وَلاَ خَيْرَ فِي شَيْءٍ جُمِعَ لِلدُّنْيَا إِلاَّ مَا طَابَ وَزَكَا .
ثُمَّ دَعَا الحَجَّاجُ بِالعُوْدِ وَالنَّايِ ، فَلَمَّا ضُرِبَ بِالعُوْدِ وَنُفِخَ فِي النَّايِ ، بَكَى ،
فَقَالَ الحَجَّاجُ : مَا يُبْكِيْكَ ؟ هُوَ اللَّهْوُ .
قَالَ : بَلْ هُوَ الحُزْنُ ، أَمَّا النَّفْخُ فَذَكَّرَنِي يَوْمَ نَفْخِ الصُّوْرِ ، وَأَمَّا العُوْدُ فَشَجَرَةٌ قُطِعَتْ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ ، وَأَمَّا الأَوْتَارُ فَأَمْعَاءُ شَاةٍ يُبْعَثُ بِهَا مَعَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ .
فَقَالَ الحَجَّاجُ : وَيْلَكَ يَا سَعِيْدُ !
قَالَ : الوَيْلُ لِمَنْ زُحْزِحَ عَنِ الجَنَّةِ ، وَأُدْخِلَ النَّارُ .
قَالَ : اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيْدُ أَنْ أَقْتُلَكَ !
• قَالَ : بَلْ اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاجُ ، فَوَاللهِ مَا تَقْتُلُنِي قِتْلَةً ، إِلاَّ قَتَلْتُكَ قَتْلَةً فِي الآخِرَةِ .
قَالَ : أَتُرِيْدُ أَنْ أَعْفُوَ عَنْكَ ؟
• قَالَ : إِنْ كَانَ العَفْوُ ، فَمِنَ اللهِ ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلاَ بَرَاءةَ لَكَ وَلاَ عُذْرَ .
قَالَ : اذْهبُوا بِهِ ، فَاقْتُلُوْهُ .
فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ البَابِ ، ضَحِكَ ، فَأُخْبِرَ الحَجَّاجُ بِذَلِكَ ، فَأَمَرَ بِرَدِّهِ ، فَقَالَ :
مَا أَضْحَكَكَ ؟
قَالَ : عَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِكَ عَلَى اللهِ ، وَحِلْمِهِ عَلَيْكَ !
فَأَمَرَ بِالنِّطْعِ، فَبُسِطَ ، فَقَالَ : اقْتُلُوْهُ .
• فَقَالَ : ” وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ” .
قَالَ : شُدُّوا بِهِ لِغَيْرِ القِبْلَةِ .
• قَالَ : ” فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ” .
قَالَ : كُبُّوْهُ عَلى وَجْهِهِ . قَالَ : ” مِنْهَا خَلَقْنَاكُم، وَفِيْهَا نُعِيْدُكُم ومِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرَى” .
• قَالَ: اذْبَحُوْهُ .
قَالَ سعيد: أمّا أنا فَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، خُذْهَا مِنِّي حَتَّى تَلْقَانِي يَوْمَ القِيَامَةِ . ثُمَّ دَعَا اللهَ وَقَالَ : اللَّهُمَّ لاَ تُسَلِّطْهُ عَلَى أَحَدٍ يَقْتُلُهُ بَعْدِي . فَذُبِحَ عَلَى النِّطْعِ .
و مات سعيد شهيداً وله من العمر تسع وخمسون سنة، مات ولسانه رطب بذكر الله.
وقد مات الحجاج دون أن يقتل أحداً من بعد سعيد بن جبير. وبعد مقتل سعيد بن جبير اغْتَمَّ الحجاج غمّاً كبيراً وكان يقول: ما لي ولسعيد بن جبير كلما أردت النوم أخذ برجلي.
أرى أن هذه المواضيع قد تهمك: |
إذا أعجبك هذا المحتوى، فلا تَقْرَأْ وتَرْحَل … تَـعْلِيقَـاتُكَ تَـشْجِيعٌ لَـنَـا لِنَسْتَمِرَّ فِــي الْبَحْثِ وَالْعَطَـاء. وإِذَا كنت تعتقد أنه قد يكون مفيداً لأشخاص آخرين، فشَارِكْهَ على الشبكات الاجتماعية.