قصة ريحانة إبنة الصياد وزوجة الأب

المقدمة: قصة ريحانة إبنة الصياد وزوجة الأب

قصة اليوم ستكون مغايرة تماماً عن نمط القصص  التي أحكيها لكم من وقت لآخر.. فاليوم سنغوص في عالم الخيال حيث اللازمان واللامكان ، سنغوص معاً في عوالم مختلفة، ممتعة ومليئة بالاثارة  والتشويق . إنها رواية ريحانة إبنة الصياد وما ستكابده مع زوجة أبيها التي أكلت الغيرة كبدها ودوخ الحسد عقلها وأذهب الحقد لبها.. فصارت لا تنعم بالراحة . بل لجأت إلى نصب الفخاخ تلو الفخاخ وزرع المكائد في كل شبر من مساحتها . لا لشيئ سوى أنها تغار من ريحانة . ريحانة تلك الفتاة التي تتميز بخلقها الحسن وطبعها الكريم و صفاء  سريرتها و طيبوبة علانيتها . وكل مرة كان السحر ينقلب على الساحر .. تابعوا معي للأخير فإن ما ستسمعونه لا شك أنه سينال استحسانكم  . وليس هذا فحسب، بل سيفتح لكم الشهية للاستماع إلى روايات الخيال المماثلة:

قصة ريحانة إبنة الصياد ومعاناتها مع زوجة الأب

يحكى أن صياداً كانت له بنت فائقة الحسن والجمال إسمها ريحانة.. كبرت البنت حتى أصبحت صبية تخطف الأنظار. فماتت أمها وتزوج أبوها بامرأة أخرى كانت سيئة المزاج وكانت لها بنتاً من زوجها الأول ، شاءت الأقدار أن تكون هذه البنت قبيحة الخلقة والخلق وغبية إلى درجة الحمق . فهي عكس بنت الرجل تماماً من حيث الجمال والخلق والرزانة .

بدأت أم الزوج تعاملها بعنف وقبح وغلظة .. لا لشيئ سوى غيرة من جمالها وذكائها وحسن أدبها. ومدى قربها من أبيها .
فحدث يوماً أن حصل الزوج الصياد على صيد وفير . فقدمته المراة لريحانة كي تقشره وتغسله ثم تطبخه ليكون وجبة غذاء للعائلة .
وبينما ريحانة  منهمكة في إعداد السمك،  تؤنس نفسها بالغناء كعادتها ، إذ سمعت صوتاً خافتاً ينبعث من مكان ما بالقرب منها .. أدارت بصرها  حولها فلم تر أحداً . تعجبت من مصدر الصوت المجهول ، قالت في نفسها: ربما يكون صوت أحد القطط التي اشتمت رائحة السمك…. لكن الصوت تكرّر وكان رخيماً فتمكنت من معرفة مصدره إنه من الاناء الذي به السمك.نظرت وسط الاناء، فإذا بسمكة غريبة اللون والشكل تكلمها وقالت لها :

يا ريحانة، انت بنت طيبة وذكية  وانا إبنة ملك الأسماك، لقد أوصاني أبي بعدم ترك الأعماق ، لكنني أحببت المغامرة ولم أستوعب كلامه فصعدت إلى السطح لأستمتع بنور الشمس وأكتشف الحياة فوق الماء . فأعجبتني زرقة السماء وعالم الطيور وهي تحوم حول مراكب الصيد.  فسبحت وقفزت بين الامواج والنشوة تغمرني، حتى علقت ورفاقي في شبكة الصيد . وأرجوك أن تساعديني وتطلقي سراحي لأعود الى مملكة أبي فلا شك أنه قلق جداً لغيابي. تعجبت ريحانة من توسل السمكة وهي المعروفة بالعطف والرحمة . فوافقت على طلبها بحب وطيب خاطر . لكن كيف ستساعدها؟
قالت لها السمكة:  حينما تهب الريح الشمالية ألقيني في البحر وسيحملني التيار  إلى مملكتنا . ولن أنسى لك معروفك . بل ستجديني يوماً ما إلى جانبك  .

انتبهت ريحانة من شرودها وتساءلت كيف تتكلم الأسماك؟ هذا والله عجيب ! فأخبرتها السّمكة أن للبحر أسراره وعجائبه وأن كل مخلوق قي الأرض له ما يقابله في البحر .

قصة ريحانة إبنة الصياد وزوجة الأب

ريحانة وحكايتها مع إبنة ملك الأسماك

تركت ريحانة عملها ووضعت السّمكة في إناء مليئ بالماء وذهبت مسرعة إلى البحر . وحينها أخرجت السمكة صدفةً صغيرة وقالت لريحانة : إذا إحتجت شيئاً أو كنت في ورطة، فقط علقي هذه الصدفة في إتجاه الريح و ستخرج منها موسيقى جميلة ! وأنذاك سأكون عندك وألبي طلبك.  ولما هبت ريح الشمال ألقت ريحانة بالسمكة في البحر ثم رجعت بسرعة إلى البيت لتكمل عملها وهي خائفة من أن تفطن لها زوجة أبيها . لكن الذي خافت منه قد حدث فعلاً!  فحين خرجت البنت إلى البحر، جاءت تلك الشريرة  تفقدتها فلم تجدها فاغتاضت منها وقررت أن تنتقم منها وتشفي فيها غليلها  . فلم يهدأ لها بال حتى شكتها لأبيها ، وطلبت منه أن يضربها ويحبسها . لكن ريحانة عندما عادت ، ربطت الصدفة بخيطٍ وعلقتها كالعقد في عنقها وانهمكت في تقشير وغسل السمك الذي بدأته قبل مغادرتها البيت.

دخل عليها أبوها . فلما رآها منهمكة في عملها ، ذهب عنه الغضب وهدأت أعصابه فلم يوبخها، بل أمرها أن تسرع في إعداد طعام الغذاء لأن الوقت أصبح متأخراً ..

تسللت زوجة الأب إلى المطبخ وأضافت الملح في الطعام  ولما تذوقه أبوها،  غضب منها كثيراً واتهمها بالإهمال وقلب القدر  على الأرض ورمى بالخبز على وجهها وقال لها : هات قُلَّـة الماء لأشرب! لكنها وجدتها فارغة ،
فقالت لها زوجة الأب : إذهبي إلى البئر بسرعة واملئي الدلو  واحمليه وحدك عقاباً لك على إهمالك لأشغال البيت. فلم تعرف ريحانة أنها هي من أفرغت القلة لتحسيسها بالذنب وتحرجها أمام أبيها . أحست ريحانة بالدموع تجري على خديها . فمنذ أن ماتت أمها وتزوج أبوها من هذه المرأة اللئيمة وهي تعيش أياماً قاسية لا تطاق ،ولم يكن بمقدورها أن تفعل شيئاً إلا الصبر .

وصلت ريحانة إلى البئر  لكنها وجدت أمامها فارسين واقفين يحاولان الوصول إلى الماء، لكن لا يوجد لديهما دلو. فلما رأياها استبشرا خيراً وبدا عليهما الفرح  والبهجة ،
فطلبا منها أن تسقيهما . ورغم خوفها من أبيها الذي أمرها بعدم التأخر، إلا أنها بادرت إلى ملأ الدلو بالماء وقدمته لهما وقالت تفضلا . إشربا أنتما وفرسيكما . فشربا وملآ قرابهما فلما هما بالإنصراف دعيا لريحانة بالخير .
قال الاول:  إن شاء الله كلما  تضحكين سيتناثر الذهب من فمك وكل ما تبكين سيصب المطر !
وقال الفارس الثاني: إن شاء الله أينما مشيت ستجرّين وراءك الحرير وتلتحفين به .
فرحت ريحانة بهذه الدعوات الطيبات و استبشرت بهن خيراً و أنزت الدلو وملأته بالماء ثم قفلت راجعة إلى البيت.وفي طريقها أحسّت بالعياء والتعب وبالألم في يديها وهي تحمل الدّلو الثقيل . وحين كانت في منتصف  الطريق سمعت صوتاً يناديها  : ياريحانة اسقيني ماءاً فإني أكاد أموت من العطش. التفتت ريحانة حولها فلم تر أحداً و عندما همت بالانصراف سمعت مرة أخرى نفس الصوت يقول : إنها أنا يا ريحانة  ، شجرة البرتقال تكلمك! فالتفتت البنت إلى الشجرة فإذا بها ذابلة بأوراق صفراء تكاد تموت ، فسقتها بدلوها ورجعت للبئر لتعيد ملأ الدّلو . ملأته بسرعة وقفلت إلى  الدار . فلمّا اقتربت  و كادت أن تدفع باب البيت لتدخل . فإذا بها تسمع  صوتاً آخر يناديها . وهذه المرة كانت قطة صغيرة مستلقية على  الطريق وقالت لها : أنا مريضة اسقيني يرحمك الله .

أحست ريحانة بألم وصداع في رأسها ، فمسحت رأس القطة وسقتها حتى إرتوت ودبّت فيها الحياة من جديد  و لم يبق في الدلو سوى قليل من الماء. فرجعت المسكينة للبئر وهي تجر قدميها وملأت دلوها مرة أخرى .. وكانت قد تأخرت  كثيراً  فأسرعت الخطى نحو البيت . و رغم الآلام الذي أصاب  قدميها وثقل الدلو فإنها استمرت في مسيرها دون توقف.
وهي تمشي قالت في نفسها : اليوم سيضربني أبي وقد يحبسني في الدهليز المظلم  لكن كل هذا لا يهمني ، فلقد فعلت الخير وتلقيت دعوات طيبات، وأمي دائماً كانت توصيني بفعل الخير لأن الانسان لا يدري متى يثمر الخير . في حقيقة الامر كان ينتظرها الكثير من المتاعب في البيت لأن زوجة أبيها لن يهدأ لها بال حتى تراها معذبة مذلولة أمام إبنتها .
في هذه الأثناء قطعت شجرة البرتقال عليها شرود أفكارها وسمعتها تقول: أشكرك يا ريحانة، لقد أعدتِ لي اخضرار أوراقي و عطر أزهاري.  وإن شاء الله ستنعمين بعطر الزهور الفواحة  وسأرد لك بعضاً من معروفك. ثم أكملت ريحانة طريقها مبسوطة فرحة . فإذا بها تسمع القطة تدعو لها وتقول : أرجعت لي نور عيني وإن شاء الله سأضيئ لك الليالي مهما اشتدت ظلمتها ، ازدادت ريحانة فرحاً وغبطة بهذا  الكلام الجميل ونسيت معه تعبها وألامها وشقاءها فواصلت طريقها للبيت بكل حماس وهي لا تبالي بما قد يعترضها من كيد زوجة أبيها  وقسوة أبيها لها.
أثناء غيابها ، لم تدع زوجة أبيها فرصة إلا وشتمتها وانتقصت منها واتهمتها بكل الأوصاف الدنيئة  ولا بد أن تعلمها الأدب وستكف عن تدليلها والاحسان إليها . كانت تقول وتتوعد لتجعل زوجها يميل إلى كلامها . وكان لها ما أرادت . فقد بدأ  صياد السمك المغبون يتوعد ريحانة ويقول لن أعطيها شيئاً سأحرمها من كل شيئ، حتى حصّتها من الهدايا والملابس ستكون من نصيب إبنتك. سأحرمها من الطعام وسأسجنها في الدهليز.

قصة ريحانة إبنة الصياد وزوجة الأب

وفي خضم هذا الجو المشحون ، دخلت ريحانة البيت وهي بالكاد تكاد تقف من شدة التعب. فسألها أبوها بلهجة المتوعد الفظ الغليظ:  لماذا تأخرت ألم يكفيك إفساد طعامي طول اليوم وأهملت تحضير الماء قبل الغداء ..  والآن تتأخري كل هذا الوقت في إحضار الماء..حاولت ريحانة أن تحكي له ما حدث في الطريق . لكنه صاح في وجهها : لا تبحثي عن تبريرات فارغة ، ستقضين ثلاثة أيام في الدهليز المظلم كي تراجعي نفسك وتعودين إلى رشدك .

ريحانة وعجائب الدهليز

هيا إذهبي والبسي ملابسك القديمة وإنزعي تلك القطع الذّهبية من أذنيك وأصابعك فأنت لا تستحقين شيئاً .إستغربت ريحانة  من ثورة أبيها . وعرفت أن زوجته اللئيمة هي من شحنته حتى فقد لبه وصوابه . فشرعت في البكاء،  لكن قلب صياد السّمك أضحى قاسياً ولم يرحمها . وبعد دقائق معدودة أصبحت ريحانة كالمتسوّلة المتشردة بثوب بالٍ مهترئ وحذاء مثقوب . فدفعها أبوها من ظهرها داخل الدهليز وأغلق الباب ورائها بالمفتاح.

شعرت ريحانة بالخوف الشديد .  .. لا تستطيع ان  ترى أصابع يدها من شدة الظلام . فالمكان مقفر مهجور والرطوبة زادته برودة  إذ يصعب تحمل رائحة العفن .  فإنزوت إلى ركن وبدأت تبكي و دموعها تسيل غزيرة على خديها حتى بللت الأرض . وهي تناجي ربها أن يخلصها من هذه الحياة التعيسة .. فقد كانت سعيدة ومدللة عند أبيها .. ما الذي استجد ؟ لماذا غير موقفه منها عندما تزوج هذه المرأة اللئيمة؟  وأخذت ريحانة تتذكر تلك الأيام الجميلة التي قضتها معه حين كانت أمها مازالت على قيد الحياة . اليوم انتهى كل شيئ وبدأت حياة التعاسة  والشقاء والعقاب كل يوم .

فزوجة أبيها أعماها  الحسد والغيرة خصوصاً أن جمالها لا يقارن مع إبنتها . وأن براعتها في الطرز والخياطة زاد من حقدها الذي لم تستطع أن تكتمه . لذلك أكثرت من تكليفها  بأشغال البيت كي لا تجد وقتاً لطرز تلك  الرسوم الرائعة على الحرير وحياكة الأثواب وخياطتها . وقد مضى زمن طويل لم تمسك فيه بإبرة أو قطعة قماش لتمارس عملها المفضل .
بينما هي شاردة في أفكارها والدموع تدرف من مقلتيها لا تتوقف. إذ رأت عينان تلمعان في الظلام وهي تقترب منها .. فإنكمشت على نفسها وكادت أن تصرخ من الذعر لولا أنها  سمعت صوتاً رخيماً يقول : يا ريحانة ! لا تخافي ولا تحزني ! أنا القطة التي أنقذتها في الغابة . وقد جئت لأنير ظلمتك كما وعدتكِ آنذاك.

قصة ريحانة إبنة الصياد وزوجة الأب

داخل كل نقمة نعمة

حينها إقتربت منها أكثر فأكثر ، حتى جلست في حضنها وفجأة زاد توهّج عينيها حتى صارتا كالفانوس تضيئان كل أركان القبو .
نظرت ريحانة حولها . وأكتشفت لأول مرة  ما يوجد في الدّهليز فهو قديم جداً فقد بني منذ مئات السنين وقد كان جدها الأول قد وضع له باباً ليستعملوه كمخزن للمؤونة لكنّه كان عميقاً لذلك لم يحاول أحد معرفة ما فيه .
قالت لها القطة : تعالي معي سأريك بعض غرائب هذا الدهليز .
كانت ريحانة منبهرة من إتساع الدهليز ونسيت همومها وأحزانها ومسحت دموعها ومشت وراء القطة.  شاهدت زخارف على الجدران وتماثيل جميلة.
وفجأة وجدت أحد الفرسان اللذان سقتهما . فأعطاها صندوقاً وقال لها :أنا عند وعدي بأن تلتحفين أجمل أنواع الحرير . ولمّا فتحت ريحانة  الصندوق  وجدت به مرآة فضية وأمشاط من العاج وخمسة أثواب حريرية

قالت في نفسها هذا شيئ لا يصدق !  إختارت أحدها ثم خلعت ثوبها المهترئ ولبست الجديد ومشطت شعرها . ثم نظرت إلى المرآة وإبتسمت للقطة وقالت :لم أعد أعرف نفسي .
ردّت عليها القطة  : أنت تستحقين كل خير ، هيا نواصل الطريق،  مازال أمامنا مفاجأت اخرى لك ! وأثناء سيرهما التقت  بالفارس الثاني الذي كان ينتظرها على قارعة الطريق . فأعطاها صندوقاً كان فيه حذاء من الجلد اللامع ومجوهرات فرمت الحذاء المثقوب ووضعت الجديد . ثم  اختارت ما راق لها من قلائد وخواتم فتزينت بها ، فأصبحت كالأميرة . وواصلت السير  وقد إشتدت دهشتها وذهب عنها كل ما كان بها من عياء وحزن وخوف. وأثناء المسير  ، مرت بجانب شجرة البرتقال فألقت عليها التحية وقدمت لها  كُحْلاً وعطراً وسلة من البرتقال وقالت لريحانة :لقد نفذت وعدي واعلمي أنني جئت من أجل رد معروفك الذي أسديت لي . وكل خير لا بد له من جزاء، والجزاء من جنس العمل . فإن زرعت خيراً حصدت خيراً ..  وهذا الدهليز كان في ما مضى أعظم مملكة للجن . لكنهم طغوا في الأرض وأفسدوا فيها  فعاقبهم الله بفعلهم  ولم يبق من قومنا إلا نحن . ولن يستطيع أحد من أشرار  الناس رؤيتنا . فقط  الطيبون هم من يمكنهم رؤيتنا والاستفادة من دعمهنا لهم  ومساعدتنا لهم .  تجولت ريحانة  بقية اليوم في بقايا مملكة الجن واكتشفت أثار  تلك الحضارة المقبورة وانجذبت كثيراً لتلك الرسوم المنقوشة على الأعمدة الحجرية فأعجبتها كثيراً وقالت: 
عندما أخرج سأطرز مثلها عل الحرير .
ثم دخلت أحد البيوت التي كانت تشبه قصر ملك من الملوك فنامت . وفي الصباح وجدت طبقاً فيه كل ما تشتهيه النفس من الطعام والشراب فأكلت حتى شبعت وشربت حتى ارتوت . 
ولمّا حلّ مساء اليوم الثّالث جلست قرب باب الدّهليز تنتظر قدوم أحدٍ لإخراجها .
لقد سمعت قرع النعال على الدرج تسير نحو باب الدهليز . فلم تكن سوى خطوات زوجة أبيها ،
كانت تحمل في يدها طبقاً فيه ما تبقى من السمك والخبز منذ البارحة.  ولما فتحت باب الدهليز  ورأت ريحانة في حالها المنعم  وعليها الحرير والذهب
سقط الطبق من يدها دهشة . ولم تصدّق ما رأت عينيها وقالت : هل انت حقاً ريحانة إبنة صياد السمك؟  أجابتها : نعم أنا ريحانة بنت صياد السمك .
ظلت المراة مبهورة مدة قبل أن تنادي زوجها صياد السمك . ليلتحق بها ويشاهد ما ترى . وقالت له: تعال وانظر ما حل بإبنتك !!! لقد صارت في أحسن حال !! من أنعم عليها بكل هذا الخير ؟ أجابها بتعجّب :عن ماذا تتحدّثين يا إمرة ؟ ولما نزل إلى الدّهليز ورأى إبنته على حالها ، بقي جامداً في مكانه فاتحاً فاه ، لا يدري ما يقول من الدهشة . لكن ريحانة  أخبرتهم بأن مخلوقات الغابة التي سقتها ذلك اليوم ،جاءت  لتردّ لها المعروف وأنها قضت عقوبة الدهليز في النعيم والتجوال داخل مملكة  الجن  !!! لكن الصّياد لم يكن مهتماً بما تقص وتحكي، فعينه كانت حيث صندوق  الذّهب والفضّة،

وقال لها بكثير من الارتباك والحيرة وهو يتلعثم  : سأشترى مركباً كبيراً ،وسأصير صياداً كبيراً . سنربح الكثير من المال وسنصير أغنياء .. وداعاً أيها الفقر .. تعالي يا ريحانة ! تعالي يا حبيبة أبيها ! أنت بركة البيت ستجعليننا جميعاً من طبقة النبلاء، ثم ضمها إلى صدره ،وقبّلها وبكى طويلاً .. ،ووعدها بأن لا يسيئ من الآن أحد معاملتها  .
هكذا تحسّنت أحوال البنت وقلّ عليها شغل البيت ،فلقد أجبر الأب إبنة زوجته على العمل وترك الكسل .

رجعت ريحانة  إلى ممارسة الطرز والخياطة ،ونقلت تلك الزّخارف التي رأتها في مملكة الجن على قطع  من الحرير رسماً وطرزاً ، لقد أدهشت العالم بتلك الزخاريف الرائعة . وباعت بعضها بمبالغ مرتفعة . ، ازداد حبّ الصياد لإبنته ، ومعها ازدادت غيرة زوجته منها . اشترى الصياد  المركب الذي  حلم به دائماً.   وجعل معه أجراء يساعدونه في الصّيد ، وحمل صناديق الأسماك ، وبيعها للتجار  أو في الأسواق.

أما زوجته اللئيمة . فقد أحسّت  بالحقد والحسد والغيرة تأكل أحشاءها . فهي لم تطق رؤية ريحانة بهذه المكانة  عند أبيها . وقالت في نفسها: لا بد أن أعرف سر هذا الثراء الذي جعل ريحانة  في هذا المقام .

ولم يهدأ لزوجة الأب بال ولم تنعم براحة نفس حتى أتت لريحانة تتودد إليها وتعتذر عما بدر منها من قسوة اتجاهها ، وقالت: يا ريحانة ، إن حمقَ أختُكِ وقبحها يجعلني متوترة طول الوقت ، لذلك فإنني كنت أتصرف معك بقسوة وعصبية . هل تفهمين ما أقصد يا ريحانة ؟ أجابت الفتاة ببراءة وحسن نية : إنّ أصدقائي من مملكة الجن و مخلوقات الغابة بإمكانهم مساعدتها لتتحسن إلى الأفضل ، فحاولت المرأة معرفة القصةَ كاملة . وفعلاً كان لها ما أرادت ، فقد قصت عليها ريحانة كل ما حدث معها وكيف ساعدتها تلك المخلوقات في الوصول إلى هذه الدرجة من الثراء . إبتسمت المرأة وقالت في نفسها.. ستصبح إبنتي أجمل منك ،وأكثر ذهباً ،أما أنت سترين ماذا سأفعل بك أيتها اللعينة !!!

 

قصة ريحانة إبنة الصياد وزوجة الأب

إنقلب السّحر على السّاحر

في الصباح أعطت المرأة إبنتها دلواً ،وشرحت لها كل ما يجب عليها فعله ،وأوصتها بالصبر على التعب ، لأن بعد التعب ستصبح غنية وجميلة وذات مكانة في أسرتها والمجتمع ..!!! لكن كما يقال « الطبع يغلب التطبع » فالفتاة كانت بخيلة وسيئة الخلق ،فهي عندما وصلت البئر و ملأت الدّلو ،جاءها الفارسان ،وطلبا منها أن تسقيَهُما ،فقالت لهما : أنا لست خادمة عند أحدكما حتى أتعب كل هذا التعب لتشربا !!! فدعيا عليها ،وقال الأول : إن شاء الله كلّما فتحت فمك خرج منه الدّود والصّراصير ، أمّا الثاني فقال :إن شاء الله كلّما مشيت انبعثت منك رائحة كريهة ،فسخرت منهما ثم واصلت طريقها .
 وإذا بشجرة البرتقال تناديها ،وتطلب منها أن تسقيها ،فلمّا رأتها يابسة قالت لها :سأخبر أبي ليأتي ويجعل منك حطباً للمدفأة !!! فدعت عليها وقالت :إن شاء الله يتساقط شعرك كلما شربت الماء حتى تصبحين قرعاء ،فضحكت منها ،وإنصرفت .ولمّا كادت تصل إلى البيت وجدت قطة تتوجع من ألم البطن، وقالت لها : أنا مريضة، إسقيني شربة ماء يرحمك الله ،فردّت عليها :ستبقين مكانك حتى تأتي الفئران ، وتأكل ذنبك ، ستكونين أكثر جمالا دون ذنب !!! غضبت القطة ،ودعت عليها وقالت: إن شاء الله تأتيك الفئران في الظلام ، وتأكل أذنيك لتصبحين أكثر قبحاً .
 ولمّا رجعت إلى البيت ،وضعت الدلو في المطبخ وجلست تستريح ،فلما رأتها أمها قالت :هل نفذت ما قلته لك ؟ أجابتها :نعم يا أمي !!! فتحت لها السرداب ،وأدخلتها، وقالت لها: سأعطيك سلة طعام ،وإذا إحتجت شيئاً أطرقي الباب بقوّة وسأفتح لك ،هيا إنزلي ،ولا تخافي ،لن يحصل لك شيئ ،ستأتيك قطة بيضاء،،فاتبعيها، وستجدين في طريقك الذّهب والحرير .
 جلست الفتاة في الظلام ،وفجأة رأت عشرات العيون الحمراء تحملق فيها ،أحست بالذعر ،فأشعلت عود حطب ،كان هناك جيش من الفئران الصغيرة هجمت عليها وأشبعتها عضاً وقرصاً ، قامت الفتاة وصارت تجري وتصرخ ،وتحاول إبعادها عن وجهها ،لكنها قضمت أذنيها ،ولمّا توغلت وسط الدهليز ،وجدت صندوقاً من الفضة ،ففرحت ،وبمجرّد أن فتحته هجمت عليها الدّيدان والصّراصير، ودخلت في أثوابها وفمها ،وأخذت تتخبط وتضرب نفسها، ثمّ واصلت الجري ،حتى تعبت، ووقفت وهي تلهث .

وأثناء ركضها  بدأت تشم روائح كريهة تخرج  من جسدها كأنها رائحة الجيفة ، ولم تعد قادرة على تحمل تلك الروائح النثنة ، فهي تزداد كلما جرت أو أسرعت الخطى ،صرخت، وواصلت الجري ،فتعثرت بجرة ماء ، وكان العطش قد أخذ منها منتهاه : ففتحت الجرة  وبدأت تشرب دون توقف . ومع كل رشفة ماء كان الشعر يتساقط من رأسها حتى صارت قرعاء .وشكلها أصبح بشعاً ،فرجعت إلى مدخل الدهليز ،وأخذت تطرق الباب بشدة، وهي تصيح بأعلى صوتها . و لمّا فتحت لها أمها الباب إنزعجت من شكلها وقذارتها ونثانة رائحتها ،فأعدّت لها حّماماً ،ونظفتها ،لكنّها أصبحت قبيحة  المنظر بشعة لا تطاق، بدون أذنين ، وقرص الفئران شوه وجهها أكثر. ،ورائحتها النثنة  لم تتوقف رغم  الحمام  ورش العطور، فغضبت الأم غضباً شديداً ،وقالت : كل ما حصل لإبنتي هو من تدبير ريحانة ، لقد خدعتني ،سأعرف كيف أنتقم منها، الويل لك يا إبنة صيّاد السّمك ..

محاولة زوجة الأب القضاء على ريحانة

أخذت زوجة الأب تفكر في حيلة تقضي بها عن ريحانة . وعندما فكرت ودبرت ،قررت أن تنفد خطتها القذرة  بدقة  كي تصيب هدفها في مقتل. فذهبت عند ريحانة وقالت لها : يا بنتي ياريحانة ، نويت أن أجمع بعض الأعشاب لأصنع منها دواءاً لأختك ، فحالتها تسوء يوماً بعد يوم . وأريد منك مرافقتي للغابة !!! أجابتها : حسناً ،سأفعل ما تأمرين . إبتعدت المرأة كثيراً عن الدّار ،وكلّ مرّة تسألها البنت ،تقول لها : ليس بعد ،حتّى وصلتا إلى جبل مرتفع ،وقالت لها: هناك تنبت عشبة الهندباء ، وهي حمراء اللون ،أحضريها لي، فأنا أشعر بالتّعب، وسأنتظرك هنا ،هيّا أسرعي، لا وقت لدينا ، حتى لا يدركنا الليل!!!
لمّا صعدت ريحانة للجبل إبتسمت المرأة، وخاطبت نفسها: سأنصرف الآن ،و أنا أعلم أنها لن تعود  حيّة ً للدار  !!! فهذا الجبل مليئ بالثّعالب والضّباع ،والعقارب السّامة ،وحتّى لو نجت منها ،فلن تقدر على الرّجوع ،وستموت  من البرد والجوع عقاباً لها على ما فعلته بإبنتي ،فلقد قضمت الفئران أذنيها ،وأصبح شكلها قبيحاً  ورائحتها لا تطاق وفوق هذا قرعاء الرأس.

هذا ما كان من زوجة الأب وخبثها .. أما ما كان من ريحانة فإنها عندما  وصلت قمة الجبل بدأت تفتش عن زهرة الهندباء  في كل مكان ، لكنها لم تجد لها  أثر اً

،و عندما رجعت إلى زوجة أبيها ،وجدتها قد إنصرفت ،وتركتها وحيدة .حاولت أن تتذكّر الطريق الذي جاءت منه ،لكنها  لم تفلح في ذلك، فكلّ المسالك متشابهة ،فبدأت بالصراخ لعلّ أحداً يسمعها ، وصارت تصيح وتصرخ حتى تعبت ، فانزوت تحت شجرة ،وبدأت في البكاء . وفجأة سمعت صوت حمامتين تتخاصمان ،حيث قال الذّكر :لقد إتفقنا ان ندّخر الحبّ للشّتاء ،لكنّي لاحظت اليوم نقصانه !!! أجابت الأنثى : صدّقني، لم ألمس منه شيئاً .

محاولة فاشلة وعودة ريحانة إلى البيت سالمة

كان ذلك اليوم حاراً جداً :فقالت له ريحانة : لا تظلم زوجتك لقد جفّ الحبّ بسبب الحرّ ،و عندما  ينزل النّدى وتلمسه الرطوبة سوف تلاحظ تكاثره و يرجع كما كان !!! نزلت الأنثى ،وجلست في حجر البنت ،وقالت لها :أشكرك، لولا نصيحتك لكنت الآن في ورطة ،كيف يمكنني أن أرد لك معروفك ؟ أجابت ريحانة :إنّي بحاجة للهندباء لأختى ،وأرغب في الرجوع لبيتنا قرب البحر ، المشكلة أني لا أعرف الطريق !!! تعجّبت الحمامة وقالت : تلك العشبة لا تنبت في الجبال ، من الذي أتى بك لهذا المكان الموحش ؟
عرفت ريحانة أن زوجة أبيها قادتها إلى هنا للقضاء عليها ،وأنه يجب أن تحذر منها في المرّة القادمة ، وبينما هي غارقة في التفكير جاءتها الحمامة بعشبة حمراء في منقارها ،وقالت لها : إتبعيني سأريك الطريق إلى البحر ، ولو أسرعت لوصلت قبل حلول الظلام .
لما إقتربت ريحانة من الداّر كانت تحسّ بألم شديد في قدميها ،فلقد مشت جرياً دون أن تتوقّف. كانت تسمع وراءها عواء الذئاب وأصوات البوم ،فيزيد من خوفها .دخلت ،وأغلقت الباب وراءها ،وهي تلهث .كانت زوجة  أبيها تنظر إليها بدهشة ،وهي تتساءل كيف وجدت هذه اللعينة طريقها نحو الدار مروراً بالغابة الموحشة ؟ إستعادت ريحانة أنفاسها ،ورمت بالأعشاب على الطاولة ،وقالت بحدّة: سأذهب لأستحمّ ،وأنام ،ولا تطلبي منّي شيئاً المرة القادمة وإلا أخبرت أبي بما حصل ،هل فهمت ؟
زاد غيظ المرأة على ريحانة، وقالت: أوصل بك الأمر إلى تهديدي؟  لا بقاء لي هنا، إن لم أجعلها تدفع الثمن. فبدأت تخطط من جديد . فلاحظت أن البنت تحب الصعود على مركب أبيها وتنزل إلى الأسفل ،وتبقى هناك تمارس نشاطها في الطرز  ،فهي تشعر بالراحة بعيداً زوجة أبيها الخبيثة  وإبنتها ،وذات صباح إنتظرتها حتي صعدت، ثم جاءت إلى الأجير وأعطته صرة نقود وطلبت منه أخذها في فسحة لتروح عن نفسها.
تحرك المركب وإبتعد في عرض البحر ،وكانت ريحانة مشغولة في الأسفل كعادتها  ،وفجأة أحست بحركة الأمواج ،وصوت الرياح ،فخرجت لترى ما يحدث ،فوجدت زوجة أبيها أمامها ،وقبل أن تفتح فمها ،دفعتها على صدرها ،وأسقطتها في البحر، وفي يدها قطعة الحرير . إبتعد المركب وبدأت ريحانة تغرق لكن الريح كانت تهب إلى الشّمال ،فخرج من القوقعة التي في رقبتها موسيقى جميلة وراحت في نوم عميق .

ولم تستفق إلا وهي  في جزيرة صغيرة مليئة بالطيّور  والورود والرياحين وأشجار  أخرى غريبة و جميلة  ،فتساءلت : أين أنا؟ كيف جئت إلى هنا .. من ؟  من الذي أتى بي إلى هنا ؟ وهي تتساءل  باستغراب ، إذ سمعت صوت الضحك وراءها ، ولمّا إلتفتت رأت السمكة الغريبة التي أطلقت سراحها منذ شهر ،، فصاحت بدهشة : هل هذه أنت ؟  أجابت السمكة: نعم ، أنا هي، لقد سمعت الموسيقى التي تصدرها القوقعة ،فجئت لإنقاذك كما وعدتك . ضربت البنت بيدها على رأسها ،وهتفت :آه القوقعة ،لقد نسيت أمرها تماماً، ومن حسن حظي أنها كانت في رقبتي ،وإلا كنت حينها طعاماً دسماً للقروش .

نهاية سعيدة لريحانة

في تلك الأثناء ، كان ابن السلطان يتجول في يخث ملكي على أمواج البحر  ،فلمح  شيئاً أبيضاً ترفعه الأمواج وتخفضه  ،فاقترب منه وإلتقطه ،ولما أخذه بين يديه  وجده قطعة من الحرير عليها زخارف فنية بديعة  لم ير مثيلا لجمالها ، وكان عليها عطر فواح ،قرّبها من أنفه ،وإستنشقها ،فأسكره عبق عطرها. ،وقال في نفسه ،سأبحث عن صاحبة هذا الحرير ،وأتزوج منها سواء كانت من أكابر القوم أو من فقرائهم  . لأن صاحبة هذا الذوق  الفني المميز وهذه الرائحة الفواحة لا تصلح إلا أن تكون زوجة لأمير مثلي .  وأخذ يسأل عنها كل صياد يمر به حتى التقى بأبيها .. ودامت لكم الأفراح والمسرات .

قصة ريحانة إبنة الصياد وزوجة الأب

قناة رحيل الليل

روابط قد تهمك: 

شارك الموضوع
إذا أعجبك المقال ،لا تَقْرَأْ وتَرْحَل، وتُحَمِّل وتَرْحَلْ … تَـعْلِيقَـاتُكَ تَـشْجِيعٌ لَـنَـا لِنَسْتَمِرَّ فِــي الْبَحْثِ وَالْعَطَـاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

حول الكاتب :   من أقصى شمال المغرب كاتب مقالات إلكترونية حول كيفية بناء موقع ويب ناجح : ووردبريس ، HTML ، CSS .ومواضيع مختلفة وناشط على اليوتيوب في قناة: Jabism Web و رحيل الليل
كتب 464 مقالة في jabism.com.
-:- راسلني   -:- تابعني على تويتر   -:- تابعني على الفايسبوك

56 عدد المشاهدات لهذا المحتوى
Scroll to Top