قصة قصيدة : ﻫﻤﻤﺖ ﻭﻟﻢ ﺃﻓﻌﻞ ﻭﻛﺪﺕ ﻭﻟﻴﺘﻨﻲ 

قصة قصيدة : ﻫﻤﻤﺖ ﻭﻟﻢ ﺃﻓﻌﻞ ﻭﻛﺪﺕ ﻭﻟﻴﺘﻨﻲ 

قصة الحجاج وتوليه إمارة الكوفة في العراق

يروى أن عبد الملك بن مروان بعث الحجاج والياً على الكوفة ، وما أن وصل حتى دخل إلى مسجدها الكبير، وصعد المنبر وبقي واقفاً صامتاً ملتماً ، لم ينطق بكلمة ، حتى امتلأ المسجد بأهل الكوفة عن بكرة أبيه، والحجاج ساكتاً لم يتأثر بوشوشة الناس وهمساتهم فيما بينهم، وعندما رأى بأن المسجد قد امتلأ، قال: هل اجتمعتم؟، ولكن أحداً لم يرد عليه، فقال لهم: إنّي لا أعرف عددكم، فهل اجتمعتم؟، فقالوا له: نعم، أصلح الله الأمير، فوقف الحجاج، وقال خطبته المشهورة التي ابتدأها بوعيده “إني لأرى رؤوساً قد أينعت، وحان قطافها، وإنّي لصاحبها”.

ثم قال لهم بأنّ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قد بعثه إليهم لكي يوجههم لقتال الخوارج مع المهلب بن أبي صفرة، وأنه لايعذر رجلًا لا يخرج . وأقسم بأنّه إن رأى أحداً يتخلف عن القتال بعد أن أخذ عطاءه بثلاثة أيام، ليضربن عنقه، ثم أمر غلامه بأن يقرأ كتاب أمير المؤمنين لهم، فقرأه الغلام، وابتدأ الخليفة في الكتاب بأن سلَّم عليهم، ولكن أحداً منهم لم يرد عليه السلام، فأوقف الحجاج الغلام، وقال لهم: أيسلم عليكم الخليفة ولا تردون عليه السلام؟، هل هذا هو الأدب الذي تأدبتم به؟، والله لأعلمنكم الأدب بأدب غيره، ثم أمر الغلام بأن يقرأ الكتاب من أوله، فقرأه وابتدأ بالسلام من أمير المؤمنين، فلم يبق أحد في المسجد إلا وردّ السلام، وبعد أن أكمل الغلام،نزل الحجاج من على المنبر بعدما فرغ من خطبته وقراءته وأعطى للناس عطاياهم، فجعلوا يأخذونها ،

قصة قصيدة : ﻫﻤﻤﺖ ﻭﻟﻢ ﺃﻓﻌﻞ ﻭﻛﺪﺕ ﻭﻟﻴﺘﻨﻲ 

الحجاج يقتل عمير بن ضابئ البرجمي

فجاءه رجل شيخ كبير السن يرتعش، فقال له: أصلح الله الأمير، إني كما ترى شيخٌ كبيرٌ، ولا همة لي على القتال وعندي ولد أقدر مني على الأسفار والمعارك فخذه بدلا مني. فوافق الحجاج مما رأى منه من الضعف والكبر .
فلما انصرف ، تقدم رجل إسمه عنبسة بن أبي سعيد إلى الحجاج وقال له: أتعلم من هذا ايها الأمير؟ فقال: لا، قال: هذا عمير ابن ضابئ البرجمي الذي دخل على عثمان يوم الدار وهو مقتول فوطأ بطنه ورفسه حتى كسر ضلعين من أضلاعه .

وأبوه هو الذي قال :

فلا تتبعيني إن هُلِكْتُ ملامةً
فليس بعارٍ قتل من لا أقاتله

هَمَمْتُ ولمْ أَفعلْ وكِدْتُ وليتَني
تركْتُ على عُثْمانَ تَبْكي حَلائِلُهْ
فلا يُعْطِيَنْ بَعْدِي امْرُوءٌ ضَيْمَ خُطَّة
حِذارَ لِقاءِ المَوْتِ والموتُ قاتِلُهْ

فقال الحجاج: ردوه
فلما أتوا به قال: هلا أرسلت ولدك بدلا منك يوم الدار أيها الشيخ ، إن في قتلك صلاح للإسلام والمسلمين
‏ثم قال الحجاج للسياف :اضرب عنقه. فكان عُمَيْر بن ضابئ أول قتلى الحجاج في العراق
ثم سمع ضوضاء خارج المسجد، فقال: ما هذا ؟
قالوا: هؤلاء قوم عمير أتوا ينصرونه
قال الحجاج: أتحفوهم برأسه
فولوا هاربين لا ترى إلا غبارهم .
قصة قصيدة : ﻫﻤﻤﺖ ﻭﻟﻢ ﺃﻓﻌﻞ ﻭﻛﺪﺕ ﻭﻟﻴﺘﻨﻲ 

قصة قصيدة : ﻫﻤﻤﺖ ﻭﻟﻢ ﺃﻓﻌﻞ ﻭﻛﺪﺕ ﻭﻟﻴﺘﻨﻲ 

إلى هنا تكون قصة عُمَيْر بن ضابئ بن الحارث البرجمي الحنظلي التميمي قد انتهت . ولكن ما سأسرده الأن قصة أبيه ضابئ الذي مات في سجن عثمان بن عفان . وهي قصة أخرى شيقة وتستحق أن تسمع . لما بها من أحداث تاريخية مهمة.

قصة قصيدة : ﻫﻤﻤﺖ ﻭﻟﻢ ﺃﻓﻌﻞ ﻭﻛﺪﺕ ﻭﻟﻴﺘﻨﻲ 

قصة ضابئ بن الحارث البرجمي الذي مات في سجن عثمان بن عفان

إذن ، من هو ضابئ بن الحارث البرجمي الذي مات في سجن عثمان بن عفان رضي الله عنه ؟

هو شاعر جاهليٌّ أدرك الإسلام، فعاش فيه ضعيف البَصَر كثير الشّرّ، بَذِيَّ اللّسان خبيثاً في الهجاء، وكان صاحب خيلٍ وصاحب صَيْد، فهو رغم ضعف بصره. كان مولعاً باقتناص الوَحش . وقد بلغ به هذا الولع إلى استعارة كلب من بني نهشل بن دارم، وكان اسْم الكلب قُرحان فكَانَ يصيد بِهِ الْبَقر والظباء فمكث عنده زمناً طويلاً ، فلما بلغ بنو نهشل أن كلبهم جلب الخير الكثير لضابئ ، أرسلوا من يطالبه بإعادة كلبهم ، لكنه امْتنعَ من رده إليهم، فَرَكبُوا إليه يطْلبُونَ كلبهم حتى نزلوا عنده وأخذُوه رغماً عنه، فَغَضب ضابئ و هجاهم بشعر هجاء مرّاً . فبلغت به وقاحته أن قذف أمهم بالكلب. فقال:

تَجشّمَ نحوي وفْدُ قُرحانَ شُقة … تَظَل بِهِ الوَجناءُ وَهِي حَسيرُ
فأردَفتهُم كلْباً فراحـــــوا كَأَنَّمَا … حَباهْم بتاج الهُرمزانِ أميــرُ
وقلَدْتهم مَا لَو رميْت مُتالِــــعاً … بِهِ وَهْوَ مُغْبر لكـــــاد يَطـــير
فَيا رَاكباً إِمَّا عرضت فبلغن … أسامَةَ عني والأمورُ تـــــدورُ
فأمُّكمُ لَا تترُكُوها وكلْبَـــــكم … فَإِن عقوقَ الْأمهات كَبيـــــــر…

فَلَمَّا بَلغهُمْ هذا الشّعْر وَرأوا أَنه رمى أمّهم بالكلب اسْتَعانوا عَلَيْهِ بعُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وشكوه إليه وأسمعوه ما قال فيهم ليؤدبه. فَاستدعاه عثمان رضي الله عنه وقَالَ لَهُ: مَا أعرف فِي الْعَرَب أفحش وَلَا ألأم مِنْك، فَإِنِّي مَا رَأَيْت أحداً رمى أحدا بكلب غَيْرك، وَإِنِّي لأظنك لَو كنت فِي زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لنزل فِيك وَحي. مستعظما ما نطق به الشاعر من هجاء للقوم الذين أحسنوا إليه فبادل إحسانهم بالإساءة ، ثم رأى عثمان أن يحبسه تأديباً وزجراً له ولغيره من الشعراء كي لا يصيبوا أعراض الناس.
قصة قصيدة : ﻫﻤﻤﺖ ﻭﻟﻢ ﺃﻓﻌﻞ ﻭﻛﺪﺕ ﻭﻟﻴﺘﻨﻲ 

ولمّا كان ضعيف البصر فقد حدث يوماً أن خرج للصيد ، راكباً فرساً له يقال له: قَيّار، لكنّه دعس بفرسه صبياً فقتله، فرُفِع أمره إلى عثمان ، فحبسه ما شاء الله أن يحبسه ثم تخلّص؛ وفي ذلك يقول:

مَنْ يَكُ أمسى بالمدينةِ رَحْلُهُ

فإِنِّي وقَيّاراً بها لَغَريبُ

ولاخيرَ فِيْمَنْ لايُوَطِّنُ نفسَه

على نائباتِ الدّهر حين تـنوبُ

وفي الشّكّ تَفريطٌ وفي الجَزْم قوّة

ويُخْطِئ في الحَدْس الفتى ويُصِيب

وحُبِس مرّة أخرى حين ضرب رجلاً فشجّه، فطال حبسه حتّى عُرِض أهل السِّجن في حبسهم، بعد مدة، وكان ضابئ فيهم، فهمّ أن يفتك بعثمان بسكِّينٍ قد شدّه على ساقه، ففُطِن له فضُرِب بالسِّياط وأُمِر به فجُدِّد حبسه؛ فقال في ذلك:

هَمَمْتُ ولم أفعلْ وكِدْتُ وليتني

تركتُ على عثمانَ تبكي حَلائلُهْ

وما الفَتْكُ ما آمَرْتَ فيه ولا الّذي

تُخَبِّرُ مَنْ لاقَيتَ أنَّك فاعِلُهْ

فمكت ضابئٍ في حبسه ذاك حتّى مات، فغضب لذلك بنوه وفيهم عُمير بن ضابئ. فلمّا قُتِل عثمان رضي الله عنه ، وَثَب عُمَير عليه بعد أن قُتِل فرَفَسه برجله. فلمّا كان زمن الحجّاج وعرض أهل الكوفة ليوجِّههم مَدَداً للمُهَلَّب بن ابي صفرة، ظهر عُميرٌ فيهم، وهو شيخٌ كبير، فقال للحجاج : اقبل منِّي بديلاً، فقبل الحجّاج منه ذلك، فقيل له: هذا الذي رفس عثمان وهو مقتول، فردّه فقتله.

فاصل

قناة رحيل الليل للقصص والحكايات قناة رحيل الليل

روابط قد تهمك: 

شارك الموضوع
إذا أعجبك المقال ،لا تَقْرَأْ وتَرْحَل، وتُحَمِّل وتَرْحَلْ … تَـعْلِيقَـاتُكَ تَـشْجِيعٌ لَـنَـا لِنَسْتَمِرَّ فِــي الْبَحْثِ وَالْعَطَـاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

حول الكاتب :   من أقصى شمال المغرب كاتب مقالات إلكترونية حول كيفية بناء موقع ويب ناجح : ووردبريس ، HTML ، CSS .ومواضيع مختلفة وناشط على اليوتيوب في قناة: Jabism Web و رحيل الليل
كتب 464 مقالة في jabism.com.
-:- راسلني   -:- تابعني على تويتر   -:- تابعني على الفايسبوك

57 عدد المشاهدات لهذا المحتوى
Scroll to Top